الاثنين، 24 سبتمبر 2012

مُـكَــاشَفَـة,



أنا غريبة !
أيًا كان الذي تعنيه هذه الكلمة فهي تنطبق عليّ تمــامًا
مع أن اسمي - الذي أبعد ما يكون عن هذا المعنى - هو أحد أسباب هذه الغربة
أو ربما يجب أن أسميها الغرابة ؟!

أنــا "وطـن" .. هذا هو اسمي
كان نزوة من نزوات والدي, سمعها من شخص عراقي ينادي ابنته
بهذا الاسم عندما كان في بلاد الرافدين
ولا أجد هذا غريبًا أبدًا, فهل يوجد أشد من العراقي تعلقًا بوطنه
وافتقادًا له ؟
بل إنني لم أكن أراه غريبًا كاسمٍ لي..فنحن لا ننفك نتغنى بالوطن
وحبّ الوطن وأمجادِ الوطن
و أكثر من ذلك, مطربي الوطن وأغانيه ورقصاته !!

على كلٍ, اختُزن ذلك الاسم في رأس بابا
وعندما وُلِدتُ سَجلني به دونَ أنّ يُعلِمَ أحدًا مسبقًا
* بعض القرارات تحتاج أن نقدم عليها سريعًا ونضع العالم أمام الأمر الواقع *
وكما ذكرت..لم أنتبه لكون اسمي غريبًا
و أنّ أمي كانت تتلعثمُ لخمسِ ثوان وتعض على شفتيها عدة مرات
قبل أن تجيب أي أحد يسألها عنه
إلا عندما أصبحت في الخامسة من عمري
والتحقت بجنة الأطفال, المسماة "روضة"
وتحديدًا عندما زارتنا جارتنا ذات الحاجبين الرفعين, اللذين يتخذان كافّة الأشكالِ مع تعابير وجهِها
وقد سألت أمي بصوتها الرنان :
ما اسم هذه البنت الجميلة ؟
فأجابت أمي بعد أن لاحظتُ تصرفها العجيب ذاك وبصوت خفيض : "وطــن"
فرفعت حاجبيها باستنكار وكررت : وطن ؟!! وماذا (تدلعونها) ؟ طَن طَن ؟
و أطلقت ضحكة مجلجلة !!
وقد كان هذا بشعًا ! بشعًا جدًا

***




استمر الأمر على هذا المِنوال, والجميع يتعجب من فتاةٍ أسماها أبوها وَطَن
 أصبحَ مُزعِجًا جدًا في الابتدائية, جراءَ سُخريةِ زميلاتي
*من قال أن الأطفالَ ملائِكة ؟ كانوا يبكونني كلّ يوم !!!*
و سببًا يدفعني للانتحار في الإعدادية
ثمّ أصبَحتُ أحبّه..
حُبي لَه كانَ مرتبِطًا بِتكوّن شخصيتي
  ! وبالتالي, تفجّع أمي
لَم أَكُن على حدّ قولها فتاةً طبيعية
تُحب التسوق وتعشقُ المسلسلات
لا أستخدِم آلافَ مستحضراتِ التجميل
 ولا أملكُ سِوى حذائين
* وأنا أحيانًا أشعرُ بالأسفِ لأنني لم أكن كما أرادتني *
شغفي الطبيعي كان يتجِهُ للإنسان
جِسمًا وروحًا ..
درستُ الطبّ
واهتممت بأحوالِ المجتمعات
أسباب تقدم بعضها وتأخر الآخر
أوضاعها المعيشية والصحية
تضمّن هذا بعض الدولِ الفقيرة
قادني إلى منظمة حقوقِ الإنسان, الهيئات الدولية, ثم السياسة !
والسياسة شيء قبيح..لكّنه يشعركَ بأنكَ تكافِح
أيًا كان هدفُك وتوجهاتك..صالحة أم طالِحة
السياسة تُشعلكَ حماسة للوصول إليها
أصبحت أتابع الأخبار..أشتُم بعضَ الساسة
أعرضُ آرائِي وأحاوِرُ و..أتشاجرْ !
وأفرِدُ مكَانَةً قدسيةً لمعنى الوَطنْ
ليتني سمعتُ كلامكِ يا ماما ...

***
وهكذا أصبَحتُ أزدادُ غرابَةً وغُربة
الجميعُ كَانَ يرانِي غريبَة الأطوار
لا يعلمُون ما الذّي جذبني لهذهِ الأمور الكئيبة
والخطيرةِ أحيانًا
ولا أنا أعلَم
ولنفسِ السبب لم تكُن علاقاتي جَيدًة مع أبناء مجتمعي
و كنتُ أشعُر بأنني غريبةٌ بينهُم
الغُربة المستمرةُ منذُ ابتعدت بناتُ السنواتِ السبع
عن فتاةٍ اسمُها وطَن
لكنني كمكافحة, لم أكُن تلكَ الوحيدةَ المكسُورة
صنعت لِي صداقاتي وعلاقاتي وإنّ كانت في عالمٍ افتراضي
اللعنة على ذلِكَ العــَالم , لا..أنا مخطئة
اللعنةُ هيَ بالذاتِ ما وقعَ عليّ !
اللعنةُ التي أحفظها وأرددها دونما تردد
اللعنة المزينةُ البهيجة..لعنةٌ تجسّد كلّ الإشراق والحبّ والسعـادة
هي مزيدٌ من غرابتي أيضًا
فقد قَضى اللهُ أنْ يكونَ أول من يطلبُ ودّ هذا الوطنِ
 الكئيب المزعجِ المتعنتّ, شخصٌ يعرفني الكترونيًا !
هذا مستهجن .. ولقد صعقتُ حينَ علمتُ به
شخصٌ كنت أتنازع معهُ كلّ ليلة .. أحاول بكلّ وسيلة تفنيدَ آرائه
تقدمَ لخطبتي عن طريقِ أخته, صديقتي الماكرة
كنتُ أنتظر أن أراها لأول مرة فإذا بها تأتي مع أخٍ لها لم أعلمُ عنه أيّ شيء
أهلي ؟ بالطبعِ وافقوا ودون أي ترددّ
فمن سيفكر في تأخير تزويجِ بنت كهذه !
أما أنــا فقد كنت للمرّة الأولى غير غريبة , وطلبت مهلَة التفكير وكأنني في إحدى المسلسلات

عدنا للحديث الالكتروني, دون شجارٍ وتزمّت
بل برغبَةٍ للتعرف على الشخص المخفي خلف آرائهِ السياسية
كنّا مختلفينِ تمــامًا !
أنا الطبيبة الشرسة, المتحمسة لآرائها
وهو موظفٌ هادئ بشهادةِ دبلوم فقط !
أنا الواقعية الصلبة وهو القارئ الشاعري الرقيق
أنا أغضبُ على الظُلم, وهو يبكي منه
كلانــا يحبّ العــالم .. لكن بطريقةٍ مختلفة
في نهايةِ كلّ هذا أرسل كلّ منــا رسالةً للآخر
يقولُ فيها :
"أنتَِ مختلفٌ جدًا عني, لكنني أحببتك
 وجدتُ فيكَِ ما ينقصني ويكملُني .. فأنا لا أريدُ نسخةً أخرى منّي تعيشُ معي
ولا أرَى أن هذا ينطبِقُ عليكَِ بالضرورة
لذا فلنعرف موقفنَا من الآن
ولا نزدد تمسُكًا بحبلٍ نهايتهُ الانفصام "

وارتبطنـا سوية

كــلانا وافق على السفر, لكي نفعلَ شيئًا مختلِفًا في بُقعةٍ أخرى من العالم
و نثبتَ شيئًا من إنسانيتنــا
كلانــا سعيدٌ بأن أعلّم نسوةً بسيطات أصول التطبيب والإسعاف
وأنّ ينقُل ما استطاعَ للعالمِ عن هذا "الوطنِ" عن طريقِ العالم الذي جمعنا
كلانا فعل ما يستطيع من أجلِ العالم
لكنه وحده..وحدهُ قُتِلَ برصاصةٍ جائرة وهو يصورُ مظاهرةً عادلة
وحدهُ قدّم دمَه للـ "وطن" .. و وحدهُ أصبَحَ قريبًا من الله
وأنــا بقيتُ وحيدةً و غريبةً وبعيدة ...
***
هل أبْكـي ؟
هذا يثبتُ أنني لستُ على هذهِ الدرجةِ من الغرابة
فأنــا أبكي كالآخرين
أحبّ كالآخرين
فلقد أحببته كما لم أفعل من قبل
كانَ صوتُه يسبب لي رعشةَ فرح مؤلِمة
صحيحٌ أنني لم أكتُب فيه شِعرًا, ولم أكن أذوب في عينه
 ولا تسحرني قوته ورجولته
ولا هو يتغزل في خصري ولا شعري
لكنني أحسسته قطعة من قلبي..شيئًا لا أريد فقدانهُ أبدا
وأنا أفرح كالآخرين أيضًا .. وقد وددتُ لو أحتضِنُ العالم بأسرهِ
وأقبله سبعًا وأربعينَ قُبلة
عندما طوّق إصبعي بخاتمٍ نُقشَ عليه : " أنتِ وطني"
أحزن , أجل أنا أحزن
لكن لا كلمة في أي لُغة تصفُ حزني أو تصوره !
كنتُ وطنَه وكان أولَ وطنٍ لي
وقد فقدتُ وطني .. فقد الوطنُ وطنه
***

 ليتني سمعتُ كلامَكِ أمي
ليتني كنت فتاةُ ساذجة كما أردتني
لكنتُ الآن امرأةً سمينة تعيشُ مع زوجٍ تراهُ
ساعةً في اليوم
ولا تخشى من الحياةِ شيئا
***

مرةً أخرى أضعت الكثير من الوقت,
منذ فترة طويلة وأنا ما انفك أفكر في كل هذا يوميًا
بدءًا من غرابتي وغربتي وحتى موت وطني الأوحد
أعني مُحسن..
يجبُ أن أتركَ هذا و أعود لحياتي العادية
و أنا سعيدة بها, لا لست سعيدة..أنا راضية
لكنهم يقولون أن السعادة هي الرضا والقناعة
حسنًا أنا راضية وقانعة , و لا أدري إن كنتُ سعيدةً أم لا
لكنّي سأواصل حياتي هذه..
ربما أبقى كما أنا كرئيسٍ عربيِ بدين
 وربما أغير نفسي قبل فوات الأوان مثلَ رئيسِ عربيّ خاف خطرَ شعبِه وغضبه
وربما يكونُ التيارُ أقربَ مما تَوقعت فَيجرِفني معه
كرئيسٍ عربي مخلُوع !
لكن الأهم أن أبقى راضية
 فكم أخشى أن تميدَ الأرضُ بأهلها إن لم يرضَ الـ " وَطَــنْ"

14 - 7 - 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق